[color=brown][b][center]اشعار ترحيب بشهر رمضــــــــــــــــــــــــــــــــان
لم يكن شهر رمضان بكل ما يتضمنه من معان دينية وروحية بالمناسبة
التي يغفلها الادب والشعر، ولذلك وجدنا الأدباء والشعراء يحتفلون بهذا الشهر الكريم،
ويحسنون استقباله من خلال إظهار آثار الصوم على عادات الناس وسلوكياتهم،
باعتباره شهر للهداية والنصر والكرم والجود وحسن الخلق،
كما هجا الشعراء من يرتكب المعاصي في رمضان.
ولقد حفل الأدب الاسلامي منذ عصر صدر الإسلام وحتى عصرنا الحديث
بكثير من صور التعبير عن الحب والتقدير لشهر رمضان الكريم،
فنجد أمير الشعراء أحمد شوقي يصور معاني الصور تصويرا أدبيا،
فيقول في كتابه (أسواق الذهب):
«الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع،
لكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة
يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسن خلال البر،
حتى إذا جاع من ألف الشبع وحرم المترف أسباب المنع،
عرف الحرمان كيف يقع وكيف ألمه إذا لذع.{
الترحيب بالهلال
وقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بهلال رمضان الذي
يأذن ببدء هذا الشهر الكريم، ويتفننوا في وصفه ويعدوه
أمارة خير وبشارة يمن وبركة،
فيقول الشاعر ابن حمديس الصقلي:
قلت والناس يرقيون هلالايشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائما فذا رمضانخط بالنور للورى أول اسمه
ويذكر البحتري هلال شهر شعبان حين أصبح قمراً يؤذن بطلوع شهر رمضان،
فيقول:
قم نبادر بها الصيام فقد أقمر ذاك الهلال من شعبان
ويهنئ الشاعر العباسي البحتري الخليفة المتوكل بن المعتصم بن هارون
الرشيد لصيام شهر رمضان ولحلول عيد الفطر:
بالبر صُمتَ وأنت أفضل صائم
فانعم بعيد الفطر عيدًا إنه وبسنة الله الرضية تُفطر
يوم أغر من الزمان مُشهرُ
ويقول الشاعر الجزائري محمد الأخضر يمتدح هلال رمضان:
امـلأ الـدنيا شعاعـا
أيـها النـور الحبيـب
اسكب الأنـوار فيـها
مـن بعـيد وقـريـب
ذكـر النـاس عـهودا
هـي من خـير العـهود
يوم كان الصوم معنى
للتسامي والصعود
ينشر الرحمة في الأرض
على هذا الوجود
ويقول محمود حسن إسماعيل مرحبا بشهر الصيام:
أضيف أنت حل على الأناموأقسم أن يحيا بالصيام
قطعت الدهر جوابا وفيايعود مزاره في كل عام
تخيم لا يحد حماك ركنفكل الأرض مهد للخيام
نسخت شعائر الضيفانلما قنعت من الضيافة بالمقام
ورحت تسد للأجواد شرعامن الإحسان علوي النظام
بأن الجود حرمان وزهدأعز من الشراب أو الطعام
ويصور حسن اسماعيل مشهد الصائمين المترقبين صوت المؤذن
منتظرين في خشوع ورهبة نداءه فيقول:
جعلت الناس في وقت المغيب عبيد ندائك العاتي الرهيب
كما ارتقبوا الأذان كأن جرحا يعذبهم، تلفت للطبيب
وأتلعت الرقاب بهم فلاحوا كركبان على بلد غريب
عتاة الأنس أنت نسخت منهم تذلل أوجه وضنى جنوب
ونجد الشاعر أحمد مخيمر يناجي رمضان قائلا:
أنت في الدهر غرة وعلى الأرض سلام وفي السماء دعاء
يتلقاك عند لقياك أهل الفلهم في النهار نجوى
وتسبيليلة القدر عندهم فرحة العمر تدانت على سناها السماء
في انتظار لنورها كل ليليتمنى الهدى ويدعو الرجاء
وتعيش الأرواح في فلق الأشواق حتى يباح فيها اللقاء
فإذا الكون فرحة تغمر الخلق إليه تبتل الأتقياء
وإذا الأرض في سلام وأمنوإذا الفجر نشوة وصفاء
وكأني أرى الملائكة الأبرار فيها وحولها الأنبياء
نزلوا فوقها من الملأ الأعلى فأين الشقاء والأشقياء ؟
وفي رمضان تتجه النفوس إلى الله بخشوع وإيمان،
وفي ذلك يقول الشاعر مصطفى حمام:
حدثونا عن راحة القيد فيهحدثونا عن نعمة الحرمان
هو للناس قاهر دون قهروهو سلطانهم بلا سلطان
قال جوعوا نهاركم فأطاعواخشعا، يلهجون بالشكران
إن أيامك الثلاثين تمضيكلذيذ الأحلام للوسنان
كلما سرني قدومك أشجاني نذير الفراق والهجران
وستأتي بعد النوى ثم تأتييا ترى هل لنا لقاء ثان؟
أما الشاعرة علية الجعار فكانت من أكثر الشاعرات احتفاء بشهر رمضان،
ففي ديوانها (ابنة الإسلام) نجد مقطوعة شعرية بعنوان (رمضان) جاء فيها:
وإن هل بالنور شهر الصياميجود به الله في كل عام
وصمنا له طاعة في النهاروقمنا له خشعا في الظلام
وفي ديوانها الأخير (مهاجرون بلا أنصار)
نجد قصيدة بعنوان (مرحبا رمضان) وفيها:
يا مرحبا شهر الهدى شهر السماحة والندى
وتحدثت في قصائدها عن ارتكاب المعاصي
في شهر الصوم فمقطوعة عن تارك الصلاة وأخرى
عن المفطر المجاهر ومقطوعة عن إيذاء الناس
ثم اختتمت هذه المقطوعات بمقطوعتين الأولى
تلاوة القرآن والثانية الصوم في رحاب الكعبة
وتتحدث فيها عن تجربة المعتمرين في رمضان
حيث يقضون أكثر أوقاتهم في البيت الحرام.
دعوة الى الاعتدال
وفي رمضان نرى كثيرا من الصائمين
يقضون فترة المساء في تناول مختلف الأطعمة،
ويحشون معدتهم بألوان عدة من الطعام،
وقد يأكلون في شهر الصيام أضعاف ما يأكلون في غيره،
وأمثال هؤلاء لا يستفيدون من الصوم الفائدة المرجوة.
وفي ذلك يقول الشاعر معروف الرصافي
وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون
على الطعام غير مبالين بالعواقب:
وأغبى العالمين فتىأكول لفطنته ببطنته انهزام
ولو أني استطعت صيامدهري لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قومتكاثر في فطورهم الطعام
فإن وضح النهار طووا جياعاوقد هموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تجعنافإن الليل منك لنا انتقام
وناموا متخمين على امتلاءوقد يتجشئون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرضألا ما هكذا فرض الصيام
ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار فيقول:
«فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذان لاستماع الآذان
وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام،
فترى أشداقا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة،
تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب،
الآن يشق السمع دوي المدفع،
فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء،
وإلى الجياع طافوا بالقصاع،
تجد أفواها تلتقم وحلوقا تلتهم وألوانا تبيد وبطونا تستزيد
ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب
وتعود وتدعو الأجواف قدني.. قدني،
وتصيح البطون قطني.. قطني،
ومع تعدد أصناف الطعام على مائدة الفطور في رمضان
فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم والأكثر ابتعاثا للشهية.{
صوم الجوارح
وفي شهر الصيام، تصوم الجوارح كلها عن معصية الله تعالى،
فتصوم العين بغضها عما حرم الله النظر إليه،
ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة،
وتصوم الأذن عن الإصغاء إلى ما نهى الله عنه،
ويصوم البطن عن تناول الحرام،
وتصوم اليد عن إيذاء الناس،
والرجل تصوم عن المشي إلى الفساد فوق الأرض.
وفي ذلك يقول أبو بكر عطية الأندلسي:
إذا لم يكن في السمع مني تصامموفي مقلتي غض، وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظماوإن قلت: إني صمت يوما فما صمت
ويقول الصابي في الذي يصوم عن الطعام
فقط ويدعو إلى التخلي عن العيوب والآثام:
يا ذا الذي صام عن الطعام ليتك صمت عن الظلم
هل ينفع الصوم امرؤ طالماأحشاؤه ملأى من الإثم
ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول:
يا مديم الصوم في الشهر الكريم صم عن الغيبة يوما والنميم
ويقول أيضا:
وصل صلاة من يرجو ويخشىوقبل الصوم صم عن كل فحشا
ولقد ذم بعض الشعراء ذلك الصنف من الموسرين البخلاء في رمضان
والذين لم يعودوا أنفسهم على الجود والكرم والعطاء،
وفي هذا يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفا عند أحد البخلاء فهجاه بقوله:
أتى رمضان غير أن سراتنايزيدون صوما تضيق به النفس
يصومون صوم المسلمين نهارهوصوم النصارى حينما تغرب الشمس
ريح المسك
وإذا كان الجوع سببا من أسباب رائحة الفم الكريهة،
فإن ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك،
كما حدث بذلك النبي(ص). وفي هذا المعنى
يقول الشاعر الكبير محمد حسن فقي في قصيدة زادت أبياتها ..
نظمها بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك:
رمضان في قلبي هماهم نشوةمن قبل رؤية وجهك الوضاء
وعلى فمي طعم أحس بأنهمن طعم تلك الجنة الخضراء
لا طعم دنيانا فليس بوسعهاتقديم هذا الطعم للخلفاء
ما ذقت قط ولا شعرت بمثلهألا أكون به من السعداء
شهر الحق والخير
شذا الأنسام والعطروفيض النور والبشر
ورائحة من المسكوأنفاس من الزهر
وأقباس تلألأ فيسماء الكوكب الدري
ووجه ضاحك وضاء بين الأنجم الزهر
ونور الرحمة العلوييشرق باسم الثغر
وصوت الحق في رمضان صوت الحق والخير
وفتح الله للإسلاميأتي رائع النصر
وأنغام مرتلةلنا من محكم الذكر
وفي ساحات بيت اللهتتلى آية الشكر
وجبريل يقود ملائكالإيمان والطهر
تنزل بيننا بالحقوالآيات والأمر
تحيينا وتغبطناتحيط بنا ولا ندري
سلام دائم النفحاتحتى مطلع الفجر
وعتق من لظى النيرانوالإعنات والإصر
تحية ربنا الهاديلنا في ليلة القدر
أعيدي ليلة القرآنعصرًا طيب الذكر
به القرآن دستورقوام النهي والأمر
يذيب الدمع في حزنويبكي جلمد الصخر
يوجه أسرة الإسلامللطاعات والبر
ويجمعنا العفاف علىهدايات على طهر
يقيم بدولة الإسلاممعنى الحق والخير
يطيع الخالق الديانفي العسر وفي اليسر
يطارد عصبة التضليلمن وكر إلى وكر
يقيم العدل ميزانًاويقطع دابر الكفر
لم يترك الأدب العربي شيئًا إلا تناوله،
وكان لشهر رمضان حظ من الشعر ما بين ترحيب بمقدمه وتوديع له
، ورصد لأحداثه ومظاهر الاحتفاء به واستقبال العيد.
فتذكر كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
جمع المصلين لأول مرة في صلاة التراويح
خلف إمام واحد في السنة الثانية من خلافته الراشدة،